F.A.K.E.H/Miss Angel

Home | Al-gharib | Gharib al-dar wa al-ahli | Nadam ba3da al-foraq | Al-safar Al-tawil | Wahmo Al-7ob | Kalam 3ashiqa wa nassi7et mo2men | 7iwar al-kalb wa al-3ayen | 2ba2 she3eb | E5er Kalam | Wada3an Om Mouhamad | Ma Inti Ro7i | Al-lawm Wa Al-3itab | Ana Wa Al-Mounajima | 7ikayet Kessati | La Twa3edni | Ghaltit 3omor | 7akim Al-3youn | Fatati | Law3at Al-hawa | 5awf Ma3shoka | Mo3jizat Al-2assma3i | Redi 3ala Fo2adi Al-3ani | Al3oshek | Al3afef | Jamal Mouhamad(PBUH) | Mo3jizat Al-Nabi | Beauty And Art In Islam | The Hearing Arts In Islam | Love In Islam Before Marriage | Love Stories In Islam World | The meaning of God's Names | Afdal Do3a2 5as | Mind's Wine | Real Story | Best of my writing | About Me | Favorite Links | Contact Me | The Best Of Poems | My Photos
Beauty And Art In Islam

حقيقة الجمال والفن، وعلاقتهما بالإسلام

تعريف الجمال:

نظرا لارتباط معنى الفن بالجمال، فلابد أن نتعرف على معنى الجمال أولا في اللغة، كذلك في العرف أيضا، فالـجَمَال في اللغة العربية : مصدر الـجَمِيل، والفعل جَمُل. وقوله عزّ وجلّ :      ] وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُون وَحِينَ تَسْرَحُونَ [([1])؛ أَي بهاء وحسن. قال ابن سيده :  الـجَمَال الـحُسن يكون فـي الفعل والـخَـلْق. وقد جَمُل الرجُل، بالضم، جَمَالاً، فهو جَمِيل و جُمَال، بالتـخفـيف؛ هذه عن اللـحيانـي، و جُمَّال، الأَخيرة لا تُكَسَّر. و  الـجُمَّال،   بالضم والتشديد: أَجمل من الـجَمِيل. و جَمَّله أَي زَيَّنه. و التَّـجَمُّل: تَكَلُّف الـجَمِيل([2]).

طبيعة الجمال في النفس البشرية وفي الكون :

فطر الله النفس البشرية على حب كل جميل، والنفور من كل قبيح، فللجمال شرف فاق كل شرف،  ألا ترى من شرف الجمال أن يدعيه من هو ليس بأهله، كما أنه من حقارة القبح أن ينكره من هو أهله، وكما جعل الله ذلك الشرف والميل للجمال أمراً طبيعيا في الفطرة السليمة، كذلك جعله أمرًا محثوثًا عليه في الشرع والدين، ففي الجمال اجتماع للأمر الكوني والأمر الشرعي في انسجام باهر.

وشاءت قدرة المبدع  ـ سبحانه وتعالى ـ أن يجعل من الجمال _في شتى صوره _ مناط رضى وسعادة لدى الإنسان، واستساغة الجمال حقًا مشاعًا، وربما تختلف مقاييسه من فرد لفرد، ومن عصر لعصر، لكنه اختلاف محدود قد يمس جانباً من الجوانب، أو عنصراً من العناصر التي تشكل القيمة الجمالية.

والجمال ليس قيمة سلبية لمجرد الزينة، كما أنه ليس تشكلاً ماديّا فحسب، ولكنه بالمعنى الصحيح : حقيقة مركبة في مداخلها وعناصرها وتأثيراتها المادية والروحية، وموجاته الظاهرة والخفية، وفي انعكاساته على الكائن الحي، ذلك لأن أثره يخالط الروح والنفس والعقل، فتنطلق ردود أفعال متباينة، بعضها يبدو جليّاً وبعضها الآخر يفعل فعله داخلياً، لكن محصلة ذلك كله ما يتحقق للإنسان من سعادة ومتعة، وما ينبثق عن ذلك من منفعة، تتجلى فيما يأتي أو يدع من أفعال وأقوال، وفيما يحتدم داخله من انفعالات ومشاعر.

والجمال بداهة لا يرتبط بالمظاهر الحسية وحدها، وهذه قضية هامة من وجهة النظر الإسلامية، فالمرأة الجميلة الفاتنة لا يصح أن تكون مجرد أداة لإثارة الشهوة البهيمية، وارتكاب الرذيلة، وإشباع الرغبة الآثمة، وجمال الطبيعة وما فيها من ورود وزهور وأنهار وجبال وطيور، ليس مجرد جمال سطحي، لكنه ينبع من قوة مبدعة قادرة، خلقت فأحسنت، وصنعت فخلبت الألباب والأبصار، وأثارت الفكر والتأمل، وفتحت أبواب الإيمان واليقين بهذه القدرة المعجزة الخالقة، وإذا كان الاستمتاع بالجمال مباحاً في الأصول الإسلامية، فإنه مدخل إلى ارتقاء الروح والذوق، وسمو النفس وخلاصها من التردي والسقوط، ومحرك للفكر كي يجول إلى ما هو أبعد من المظاهر الحسية التي قد كتب عليها الزوال، فالجمال سبب من أسباب الإيمان، وعنصر من عناصره، والقيم الجمالية الفنية تحمل على جناحيها ما يعمق هذا الإيمان ويقويه، ويجعله وسيلة للسعادة والخير في هذه الحياة.

الجمال في النص الشرعي :

و الجمال في فطرة الإنسان يميل إليه بطبعه، وهذا لا يحتاج إلى تدليل، إذ هو محسوس مشاهد في كل زمان ومكان، وأما ما ورد في نصوص الشرع الحنيف من دعوة للتأمل في الجمال، فهي كثيرة، نذكر منها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ الآتي :

أولاً : ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى : ] وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ & وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ & وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ & وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [([3])، ومثله ما ورد في ذكر جمال منظر السماء، والحث على النظر إليه بقوله سبحانه و تعالى : ] وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِين[([4])، ويشبه ذلك أيضا ما ذكره الله سبحانه تعالى في معرض منِّه على الإنسان بالمخلوقات التي تبعث البهجة في النفوس، كما في قوله تعالى : ] أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ[ ([5]).

          ففي هذه الآيات دلالة واضحة، على عظم قيمة الجمال ؛ حيث امتن الله على الإنسان بكل مظهر جميل، وحث المؤمنين على النظر في كل جميل؛ حتى تسمو نفوسهم وترتقي لفهم المعاني الجليلة. وأما ما ورد في السنة المشرفة، فمثل حديث عبد الله بن مسعود، الذي يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "  لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ". قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة. قال : " إن الله جميل، يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس"([6]).

ففي الحديث دعوة صريحة من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته للاهتمام بالجمال المظهري، وقد علل هذه الدعوة بأن الله جميل، فالله عز وجل متصف بكل صفات الجمال ونعوت الكمال والجلال.  

          ويؤكد هذا المعنى هذا الحديث الذي رواه معاذ بن جبل قال : جاء رجل إلى النبي  صلى الله عليه وسلم.  فقال : يا رسول الله، إني أحب الجمال، وإني أحب أن أُحمد ـ كأنه يخاف على نفسه ـ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما يمنعك أن تحب أن تعيش حميدا وتموت سعيدا؟ وإنما بعثت على تمام محاسن الأخلاق "([7]).

          فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حب الجمال، وحب الذكر الحسن، من سعادة الدنيا، بل جعله من مكارم الأخلاق التي بعث صلى الله عليه وسلم ليتممها.

          ولو ذكرنا النصوص الواردة في الكتاب والسنة التي تحث على الجمال، وتؤيده، لطال بنا المقام، ونرى فيما ذكر الكفاية، فإن فضل الجمال ، والحث على التأمل في كل جميل، والتعبير عن هذا الإحساس أمر لا يختلف عليه المسلمون، ولا حتى العقلاء.


إدراك الإنسان للجمال مقدمة للفن :

          مما سبق نعلم أن النفوس تدرك الجمال عن طريق الحواس، فالعين تدرك المنظر الجميل، والأذن تدرك الصوت الجميل، والأنف تدرك الرائحة الزكية الجميلة، واليد تدرك الملمس الجميل، كما أن اللسان يدرك الطعم الجميل.

          فإدراك الجمال وظيفة الحواس التي خلقها الله في الإنسان، ومن الخطأ أن نعتقد أن للجمال مقاييسه الحسية وحدها، تلك التي تقع عليها العين، أو تسمعها الأذن، أو يشمها الأنف، أو يتذوقها اللسان، أو تتحرك لها لمسات الأطراف العصبية، فالجمال مادة وروح، وإحساس وشعور، وعقل ووجدان، فإذا التقى فلاسفة الجمال في بعض الجوانب أو العناصر، فستظل هناك في عالم الجمال مناطق يعجز الفكر الفلسفي عن إدراك كنهها، والوصول إلى أبعادها، فليس العقل وحده هو القوة القادرة على استكناه كل أسرار الوجود وما خفي فيه، ولحكمة يقول الله في كتابه العزيز : ] أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ َ[ ([8]).

 والسؤال هو ماذا يفعل الإنسان إذا أراد أن يعبر عن هذا الجمال الذي أدركه، وكيف يعبر عنه ، وما اسم هذا التعبير ؟

          فالإجابة أن ليس للإنسان سبيل للتعبير عن مشاعره، إلا بالفن، فالفن هو اسم لتعبير الإنسان عن شعوره بالجمال.

تعريف الفن :

ولكي نستطيع أن نعرف طبيعة العلاقة بين الفن والإسلام، لابد أن نعرف حقيقة الفن وماهيته ، فلابد أن نتعرف على معنى الفن، ومدلوله في اللغة، وكذلك في العرف والاستعمال.

فالفن في اللغة : واحد الفنون، وهي الأنواع، والفن : الحال، والفن : الضرب من الشيء، والجمع أفنان وفنون([9])، والأفانين الأساليب، وهي أجناس الكلام وطرقه، ورجل متفنن، أي ذو فنون، وافتن الرجل في حديثه، وفي خطبته، بوزن اشتق، جاء بالأفانين([10]).

أما عن الفن في الاصطلاح أو في الاستعمال؛ فنقطة المنطلق للحديث عنه، والتي يقصد منها تعريفه، وهي في ذاتها مثار خلاف المفكرين والفلاسفة على امتداد تاريخ الفكر البشري؛ ، وذلك لتشابه المنتج الفني مع أشكال تعبيرية أخرى كالفكر والسحر من ناحية أخرى.

ولذلك فإن أول إشكالية تعترض من يود مقاربة مفهوم الفن مقاربة فلسفية هي الجواب عن السؤال ما هو الفن ؟ وذلك يرجع إلى تعدد مجالات استعمال المفهوم، حيث نسمع مثلا عن " فنون الطبخ"، كما تنعت أنواع من الرياضات بـ " فنون الحرب"، والملاكمة مثلا بـ "الفن النبيل"؛ علما بأن بعض الممارسات التي يتقاسمها الأدب والفن، بل والتكنولوجيا، يغلب عليها أكثر "اسم الفن" كالسينما، والمسرح...

وهذا ما يؤكد أن مفهوم الفن أصبح معوما إلى درجة أنه أصبح مقرونا بالإبداع، ونظرًا لأن مصداقية أي تعريف تكمن في مدى قدرته على التحديد والتفسير؛ فإننا سنكتفي هنا بهذا التعريف الذي يعرف الفن بأنه هو : "المحاولات التعبيرية التي تستهدف تجسيد المشاعر الإنسانية"، فالحدث الفني يتعلق بالشعور وليس المنطق، وهذا هو الفارق البائن له عن الفكر، والغرض المستهدف هو تجسيد المشاعر.

والفن الصحيح هو الذي يهيئ اللقاء الكامل بين الجمال والحق، فالجمال حقيقة في هذا الكون، والحق هو ذروة الجمال، ومن هنا يلتقيان في القمة التي تلتقي عندها كل حقائق الوجود.

الفن ضرورة ملحة في العصر الحديث :

في ظل حالة الصراع الفكري التي يشهدها العالم الآن فيما يسمى بعصر العولمة، فإن الفن يمثل أخطر سلاح في الوجود بعد القنبلة الذرية وأسلحة الدمار الشامل. وعلى ذلك فمسألة العلاقة بين الإسلام والفن تتجاوز حالة الاشتباك الفقهي، الذي لا ينتهي بين الإسلاميين حول الحلال والحرام في قضايا الفن، وتدخل في نطاق آخر هو نطاق الضرورة القصوى التي تتمثل في سلاح فائق الخطورة، إذا توانى طرف في استخدامه فإن الآخرين لن يتوانوا في استخدامه ضده بأقصى سرعة.

ومن ناحية أخرى فإن للفن القدرة المثلى على تبليغ دعوة الله إلى النفوس. وإنه لمغزى كبير لم نتعلم منه كثيرًا، ذلك أن رسالة الله إلينا قد بعثها في أعظم كتاب فني في العالم في تقدير الكثير من الملحدين أنفسهم، وتمثيل التصورات والقيم الدالة على العلاقات الفاعلة بين الإنسان والوجود في عمل إبداعي يرتب أكبر التأثير في ترسيخ هذه التصورات والقيم في نفوس البشر، ويدفعهم إلى امتثالها والارتقاء بها إلى الله الذي هو غاية الوجود.

وعلى ذلك فيجب التأكيد على وجوب اقتحام المبدعين الإسلاميين للمجالات المختلفة للفنون بما في ذلك المجالات التي تم استحداثها في هذا العصر مثل السينما والتليفزيون. إن ما يستطيع الفيلم أو المسلسل التليفزيوني تحقيقه يفوق الأثر الذي تستطيع تحقيقه آلاف الكتب والندوات والخطب.

والإشكالية التي تُطرح هنا هي : هل يكون على المبدع الذي يريد اقتحام هذه المجالات أن يكون ملمًا بمفردات القيم والشرائع الإسلامية التي يتطلبها شمول هذه المجالات لكل النواحي الحياتية للبشر، وأن يكون قادرًا على استخلاص الأحكام الاجتهادية من هذه القيم والشرائع التي تواكب حركة الحياة ومستجداتها الدائمة؟

إن تطلب ذلك يعني في الحقيقة اشتراط توافر القدرة على الاجتهاد المطلق في كل فنان يريد إبداع فن إسلامي في هذه المجالات. وحيث إن تطلب ذلك يخرج عن التصور فلا بد من الإيمان بمبدأ جواز الخطأ، ما دام الباعث القائد للعمل الإبداعي هو تمثل الحقائق الإسلامية التي تتمحور حول الإيمان والخير والسمو بالبشر إلى القيم الإسلامية المثلى.

علاقة الإسلام بالفن :

إن أي دين يؤمن بالحياة الأخرى بعد الموت، كالإسلام مثلاً، لا يرضى أو يشجع التطورَ الفني إذا كان سادراً مطلق الحدود، غير ملتزم مثل مذهب "الفن للفن". إن وقت المسلم محسوب عليه، وليس له أن يضيعه هباءً، في غير جدوى.

فمن الخطأ المشاع أن نقول : إن هناك أنواعًا من الفنون حرام وأنواعًا منها حلال؛ لأن استقراء المنهج الإسلامي في التشريع يكشف عن عدم ورود التحليل أو التحريم المطلق لجنس شيء من الأشياء. فكل شيء يدخل في نطاق الفعل الإنساني تندرج مفرداته بين الحلال والحرام في الإسلام، سواء أكان ذلك طعامًا أو شرابًا أو متعة أو لهوًا أو أي شيء. وكذلك ينطبق الأمر على سائر أنواع الفنون المختلفة حتى الرقص نفسه يمكن تقسيمه بين الحلال والحرام. فعلى الرغم من كونه للوهلة الأولى يبدو فجورًا، إلا أنه لا يستطيع أحد الذهاب إلى تحريم رقص المرأة أمام زوجها. إلا أن الأهم من ذلك هو ما ثبت في الصحيح عن مشاهدة الرسول صلى الله عليه وسلم والسيدة عائشة رضي الله تعالى عنها لرقص الحبشة. ومن ثم فإن القاعدة التي نستطيع أن ننطلق منها في قياس هذه الأمور هي القاعدة التي أرساها الرسول نفسه صلى الله علي وسلم في حكم الإسلام على الشعر، وذلك في قوله: "الشعر كالكلام، حسنه حسن وقبيحه قبيح"([11]). فهي قاعدة يمكن تعميمها على جميع أنواع الفنون.

وفي الحقيقة أن موضوع " الفن " موضوع في غاية الخطورة والأهمية ، لأنه يتصل بوجدان الشعوب و مشاعرها ، و يعمل على تكوين ميولها و أذواقها ، واتجاهاتها النفسية ، بأدواته المتنوعة والمؤثرة ، مما يسمع أو يقرأ ، أو يرى أو يحس أو يتأمل.

والقرآن يوجه الحس البشري للجمال في كل شيء، وإنه يسعى لتحريك الحواس المتبلدة لتنفعل بالحياة في أعماقها، وتتجاوب تجاوباً حيّاً مع الأشياء، والأحياء، وهنا يلتقي الفن بالدين، فإنهما يلتقيان في ثورتهما على آلية الحياة، وعلى نسقها الرتيب وعلى ظاهرها المسطح.

فالإسلام أعظم دين غرس حب الجمال والشعور به في أعماق كل مسلم، وقارئ القرآن يلمس هذه الحقيقة بوضوح وجلاء وتوكيد ، فهو يريد من المؤمنين أن ينظر إلى الجمال مبثوثاً في الكون كله، في لوحات ربانية رائعة الحسن ، أبدعتها يد الخالق المصور ، الذي أحسن خلق كل شيء. وأتقن تصوير كل شيء : ] الَذِي أََحْسَنَ كلَّ شَيْءٍ خَلَقَه[([12])، ] مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَن مِن تَفَاوُتٍ [([13])، ] صُنْعَ اللهِ الذِي أََتْقَنَ  كُلَّ شَيْءٍ [([14])، فالقرآن الكريم يلفت الأنظار ، وينبه العقول والقلوب ،  إلى الجمال الخاص لأجزاء الكون ومفرداته . .                

إن القرآن بهذا كله ، وبغيره ، يريد أن يوقظ الحس الإنساني ، حتى‌يشعر بالجمال الذي أودعه الله فينا وفي الطبيعة من فوقنا ، ومن تحتنا ، ومن حولنا . و أن نملأ عيوننا وقلوبنا من هذه البهجة ، وهذا الحُسن المبثوث في الكون كله.

          فالإسلام دين واقعي ، فهو يتعامل مع الإنسان كله : جسمه وروحه ، وعقله ووجدانه ، ويطالبه أن يغذيها جميعا ، بما يشبع حاجتها ، في حدود الاعتدال ، الذي هو صفة " عباد الرحمن ": ] وَ الَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يقْترُوا وَكاَنَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاَمَا [([15])، وليس هذا خلقهم في أمر المال فقط، بل هو خلق أساسي عام في كل الأمور ، هو المنهج الوَسَط للأمة الوسَطَ .

وإذا كانت الرياضة تغذى الجسم ، والعبادة تغذى الروح ، و العلم يغذى العقل ، فإن الفن يغذى الوجدان، ونريد بالفن : النوع الراقي الذي يسمو بالإنسان ، لا الذي يهبط به. 

وقد أحيا الإسلام ألواناً من الفنون ، ازدهرت في حضارته وتميزت بها عن الحضارات الأخرى مثل فن الخط والزخرفة والنقوش : في المساجد ، والمنازل ، والسيوف ، والأواني النحاسية والخشبية والخزفية وغيرها .

كما اهتم الإسلام بالفنون الأدبية التي نبغ فيها العرب من قديم ، وأضافوا إليها ما تعلموه من الأمم الأخرى ، وجاء القرآن يمثل قمة الفن الأدبي ، وقراءة القرآن وسماعه عند من عقل وتأمل إنما هما غذاء للوجدان والروح لا يعدله ولا يدانيه غذاء ، وليس هذا لمضمونه ومحتواه فقط ، بل لطريقة أدائه أيضاً ، وما يصحبها من ترتيل وتجويد وتحبير تستمتع به الآذان ، وتطرب له القلوب  ، وخصوصاً إذا تلاه قارئ حسن الصوت، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم  لأبي موسى:  " يا أبا موسى لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود "([16]).

فالقرآن الكريم آية الإسلام الكبرى ، و معجزة‌الرسول العظمى : يعتبر معجزة جمالية ، إضافة إلى أنه معجزة عقيلة ، فقد أعجز العرب بجمال بيانه ، وروعة نظمه و أسلوبه ، و تفرد لحنه وموسيقاه ، حتى سماه بعضهم : سحراً .

مفهوم الفن الإسلامي :

ولم تكن علاقة الإسلام بالفن تقتصر على توصيفه الشرعي فحسب، بل كان هناك فن منسوب إليه عبر العصور، يسمى بالفن الإسلامي، فما هي "الإسلامية" التي يمكنها أن تحدد المنعوت - وهو الفن- وتميزه فتجعله نسقًا قائمًا بذاته منفصلاً عن غيره ؟ هل الإسلامية صفة تاريخية، أي تنسحب على فترة تاريخية معينة، وإن كانت كذلك فما هي تلك الفترة ؟ هل هي فترة ذروة الحضارة الإسلامية إبداعيًا؟ أم هي فترة الفتوحات الواسعة؟ أم هي بعد ذلك؟

أم هل "الإسلامية" صفة مكانية، من ثم ترتبط بمكان معين أو حاضرة بعينها؟

وهذا السؤال عن المكانية مثله مثل السؤال عن الزمانية يطرح إشكالية التعددية والتنوع داخل النسق كما سنرى.

أم هل "الإسلامية" صفة مرتبطة بالفعلية ؟ بمعنى أن ثمة فعلاً يمكن قرنه بهذه الصفة، وفعلاً آخر لا يمكن قرنه بها ولا إضافة هذا النعت له.

أم  هل تُرى "الإسلامية" صفة تنبع من الفاعلية ؟ أي أنه كلما كان الفاعل مسلمًا كان الفعل إسلاميا والمنتوج إسلاميا كذلك، بغض النظر عن صفاته البنائية وخصائصه المميزة؟
كل هذه التساؤلات باختصار هي تساؤلات تدور حول ما يجعل الإسلامي إسلاميًا، وهي قديمة قدم الصفة ذاتها وقدم خاصية التفكر والنظر، والاجتهادات في هذا الصدد كثيرة، وكل الإجابات مقبولة وصحيحة.

وهذا التنوع في الإجابة لا يدل على غموض، وإنما على ثراء وتكثيف الصفة في ذاتها، بحيث إننا يمكننا أن نتكلم عن إمكانياتها المكانية والزمانية والفعلية والفاعلية والبنائية في آن واحد.
وكمثال على الزمانية سنجد أن معظم من تكلم عن الفن الإسلامي إنما اختاروا الكلام عن حقبة الحضارة الإسلامية في ازدهارها الإبداعي، وضربوا الأمثلة من بقاع متفرقة من سمرقند في الشرق وقرطبة في الغرب، ومن أشبيلية في الشمال حتى تمبكتو في الجنوب، مرورًا بالقاهرة وتبريز وأصفهان وخراسان وبانيالوقا وإستانبول وغيرها.

بمعنى أن النقاد الذين اختاروا الزمانية كمحدد رأوا في المكانية والتعددية صفة ثانوية تؤكد خصوصية النسق الذي بنوه.

بينما نجد أن من تعصب للمكانية، فتكلم عن الأندلسي، والمصري، والمغربي، والتركي، والفارسي، والسمرقندي، والقمي، وغير ذلك من صفات مكانية، قد شد عينه وجذب انتباهه التنوع والخصوصية الكامنة في كل مكان؛ فحولت انتباهه عن العناصر العمومية الممتدة عبر المكان وعبر الزمان.

ونجد أن الفعلية تتجلى بالخصوص في فن الخط العربي، حيث المنتج والفعل مرتبط بالإسلام أساسا من خلال ارتباطه باللغة وجماليات الحرف العربي كنسق وحرفة أرسيت دعائمها منذ أقدم العصور الإسلامية، وسنرى هنا أن الفعلية قد جاوزت المكان، فهناك ابن مقلة وإنتاجه من بغداد، وهناك عبد الله هاشم وإنتاجه من إستانبول. وجاوزت الزمان، فها هو هلال العراقي العباسي، وهاكم محمد إبراهيم المصري المعاصر، فهي صفة نبعت من المنتج والفعل في ذاته.

أما الفاعلية فهي صفة جديدة لم تكتسب مشروعية بعد، ولا أظنها تكتسبها.
فالقول: إن الفنان المسلم ينتج فنا إسلاميًا، هو قول أعرج يفترض أن الإسلام ملة توضع في خانة من خانات بطاقات الهوية، ومن ثم تنسحب منه صفات تضفي على إنتاج وفعل صاحب هذه البطاقة خصوصية ما. إنما الإسلام عقيدة حياة ورؤية معرفية متكاملة ودين بالمعنى الشمولي للكلمة، حيث يتخلل كل جزئية من جزئيات من يعيش في كنفه، ومن ثم قد تكون ملة الصانع أو الحرفي غير الإسلام، ولكن نتاجه الحضاري الجمالي من فن وصنعة هو إسلامي بلا مراء.

كذلك ثمة إشكالية أخرى تجعلنا لا نقبل الفاعلية كأساس تصنيفي، حيث إن الفن في الرؤية الإسلامية المعرفية هو نتاج حياة، من ثم فالجميع متاح لهم كما أوضحنا أن يصيروا فنانين بل هو فرض على كل منتج أن يتقن عمله؛ ومن ثم يخرج فنا كما أسلفنا.

          وقد كان لهذا الفن الإسلامي الذي وضحنا جهة نعته بالإسلامية، خصائصه التي تميزه وتجليه بين الحضارات المختلفة، المتزامنة وكذلك التي سبقته، فما هي تلك الخصائص التي تميز الفن الإسلامي؟

خصائص الفنون الإسلامية :

الفرق بين فن وفن، هو فرق الانتماء والتعبير عن حضارات مختلفة، فالفن الروماني ـ مثلاً ـ به كل سمات الحضارة الرومانية التي تعتبر حضارة "الساعد" أو القوة الجسدية في المقام الأول، وفي الفن الإغريقي نلمح الفكر الفلسفي الذي هو عصب تلك الحضارة، وكذلك الفن الإسلامي يعد من أنقى وأدق صور التعبير عن الحضارة الإسلامية، وكونه المعبر عن هذه الحضارة هو ما يعطيه هذه الصفة، صفة "الإسلامية".

إن كل متأمل في الفن الإسلامي يعرف أنه أرسى معايير ذات صبغة مميزة، كان لها آثارها الواضحة على العالم الغربي، وبشكل مستمر، خاصة فيما بين القرن العاشر الميلادي والقرن الرابع عشر، الذي أوضح أن الفن الإسلامي يتوسل بالمادة ليعبر عن الإحساس الديني بالحياة، وعن وجدان أخلاقي إسلامي، تماماً كأصول العقيدة أو الاعتقاد، لذا تجد، على سبيل المثال وحتى اليوم، في فن المعمار الإسلامي روعة في معمار البيوت البسيطة ، وكذلك القصور المشيدة نفسها، وكلاهما يخفي من كنوزه وروائعه أكثر مما يبدو للعيان.

وينسحب هذا على صحون المساجد وساحاتها وقاعاتها، فهي مشيدة بأسلوب ذي دلالة واضحة في رفضه للتقسيم التصاعدي المتدرج، فضلاً عن البساطة الواضحة الساطعة الرافضة لكل تهويمات الطقوس السحرية الغامضة، كما ينسحب على التجريد الراقي في المنمنمات التي تصون الخيال عن الوهم، والماثلة في تصوير الآدميين في أشكال متجانسة لطيفة التقاسيم، منعمين في جنات وعيون، تذكر بما ينتظر المؤمنين من نعيم.

 كما وصف القرآن : ] فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً & وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً  &مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً & وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً [([17])

فالفن الإسلامي في مصر أو الهند أو العراق هو في النهاية "فن إسلامي" حتى وإن كان الفنان في بعض الأحيان غير مسلم.. لأنه بالإضافة إلى تعبيره عن ذاته وعن بيئته - وهذا ضروري وموجود- فإنه يعبر عن الأصيل والثابت والهام في الحضارة التي ينتمي إليها؛ بصرف النظر عن انتمائه العرقي أو الديني أو الجنسي.

وقد قدم الإسلام نظاما كليا، يعتني فيه بالجسد مثلما يعتني بالروح، في إطار تكامل بين ما هو روحي وما هو جسدي، يأخذ كل منهما مكانته الطبيعية اللازمة، ويؤدي دوره في حياة الفرد والمجموع، ويؤسس لرؤية شاملة للحياة الدنيا بكل شئونها، في شقيها المادي والمعنوي، كما يؤسس لتنظيم علاقة الإنسان بالخالق.

وفيما يلي نتعرف على  أهم خصائص الفن الإسلامي :

التجريد والموسيقية :

وهما من أبرز صفات الفن الإسلامي، فالقيمة الجوهرية الكامنة في الفن الإسلامي، هي إيقاعه وتجريده، وما يصاحب ذلك من إحساس موسيقي رائع، لا يجاريه فيه أي فن آخر، ولا شك أن هذا الاتجاه مرده إلى التصور الإسلامي لله وللإنسان وللعالم، ومن أجل ذلك لم تكن وظيفة الفن الإسلامي نقل المرئي، بل إظهار ما هو غير مرئي، ومحاولة الإحساس بالقوانين الرياضية التي تحكم هذا الوجود.

وقد وصلت قمة الإيقاع الموسيقي في الفنون الإسلامية ذروتها في العمارة الأندلسية المغربية؛ حيث تتجاوب أقواس العقود مع سائر العناصر المعمارية، وأحواض المياه والأشجار والمناظر التي تحيط بالمكان؛ حيث يصبح المبنى وكأنه نبت من الأرض، كما ينبت الشجر والنخيل.

 

 

 

كراهية تصوير الكائنات الحية :

شاع رسم وتصوير الكائنات الحية في المنطقة العربية قبل الإسلام، ولكنه لم يهتم قط بالمحاكاة الحركية لهذه الكائنات، كما نرى في الفن الإغريقي والفنون التي سارت على نهجه، وبالرغم من أن القرآن الكريم لم يرد فيه نص صريح يمنع ممارسة تصوير الكائنات الحية، إلا أن البعض يجدون أن رسم الكائنات غير جائز، مما تسبب في اختفاء تصوير الكائنات الحية في الفن الإسلامي، حتى أصبح هذا الاختفاء سمة من سمات التصوير الإسلامي.

تحويل الخسيس إلى نفيس :

من المسلمات في العقيدة الإسلامية العزوف عن الإسراف في بهرج الحياة، باعتبار ذلك عرضا زائلا، وما عند الله خير وأبقى، وإلى جانب ذلك فقد وصل ازدهار الحضارة الإسلامية في كثير من العصور إلى درجة عظيمة، كما وصل الثراء إلى حد يفوق كل تصور، وكان في استطاعة المسلمين لو أرادوا أن يزينوا الأجزاء المهمة في المساجد بالأحجار الكريمة، وهنا نجد ظاهرة اجتماعية اقتصادية، تحتاج إلى حل يحقق المواءمة والتوافق بين روح العقيدة وسلوك السلف الصالح، بين إمكانيات المجتمع وقدراته الاقتصادية العالية، ومبادئه الدينية الخالدة.

وهكذا كان على الفنان أن يحقق هذه المواءمة، وأن يبتكر أسلوبا جديدا لحل هذه المعادلة الصعبة، وقد نجح الفنان المسلم في تحقيق هذه الغاية؛ بابتكار الخزف ذي البريق المعدني ( وهو نوع من الخزف لم يُعرف إلا في الفن الإسلامي في ذلك الوقت، ويتيح الحصول على أوانٍ خزفية تصلح بديلا لأواني الذهب والفضة، ويزخر المتحف الإسلامي بمصر بالكثير من نماذج ذلك الخزف ذي البريق المعدني، والذي يعتبر من أرقى أنواع الخزف في العالم، ومن الحلول الابتكارية التي كان للفنان المسلم الفضل في تحقيقها، المواءمة بين استيفاء المسجد للعظمة والفخامة، وهو ما تتيحه الثروة المتزايدة في المجتمع، وبين ما يتطلبه الفكر الإسلامي في الالتزام بأسلوب السلف الصالح في الحياة البسيطة التي تقوم على صدق الإنسان مع ربه.

فاستطاع الفنان المسلم باستعمال أرخص الخامات إطلاقا، كالطين والخشب، أن يصنع محاريب المساجد من الخزف أو الخشب أو الجص، بعد أن أثراها بالزخرفة والنقش، مما جعل هذه المحاريب قمة في الجمال والجلال. ومن أمثلة المحاريب الإسلامية الرائعة محراب السيدة رقية بالمتحف المصري الإسلامي.

وقد خلَّفت الحضارة الإسلامية نماذج عظيمة القيمة من التحف المعدنية، والأثاث، وبخاصة من البرونز المكفت والمشغول بالزخارف الدقيقة، التي تبلغ حد الإعجاز، وقيمة هذه التحف لا تعود إلى الخامات التي صنعت منها، ولكن مردها إلى قدرات الفنان في الإنجاز ودقته البالغة في التنفيذ.

المثالية الواقعية أو الإطار الفكري للفن الإسلامي :

يمكن التعبير عن الإطار الفكري الذي يعكس التصور الإسلامي للوجود بخاصية المثالية الواقعية، فالواقعية تعني أن الإسلام يعمل على بلوغ الدرجات الممكنة من الحياد في التعامل مع الواقع، فلا يضع غشاءً من الفكر المسبق على عقل الإنسان، وهو يدرك الواقع. ولكن المسألة ليست بهذه البساطة؛ لأن تجريد النظر إلى الواقع من الفكر المسبق ليس كافيًا لتحديد ما يمكن اعتباره واقعيّاً مما يمكن إدراكه من هذا الواقع.

فالماديون يحاولون اختزال الإدراك الواقعي للحقائق في المدركات المادية فقط، مع أن الموضوعية تقتضي اعتبار كل ما يمكن إدراكه من الحقائق الفاعلة في الواقع حقائق واقعية. فكما أن الحقائق المادية واقع، فإن الحقائق الروحية أيضًا واقع. وكما أن قوى الإنسان وإمكاناته وغرائزه واقع، فإن مشاعره وطموحاته وارتقاءه واقع أيضًا. والواقعية الحقيقية هي التي تعني وضع كل هذه المدركات في الإطار التصوري للفنان.

لكن الواقعية لا تعني الوقوف عند حد الإدراك السلبي للواقع، فإن جاز هذا في الواقع الطبيعي، فإنه لا يجوز في إدراك العلاقات السائدة بين البشر، فإدراك وجود الحق أو الباطل في الواقع لا يقوم على أسس كمية، بل يستند في الضرورة إلى قيم مستقلة، تستطيع التمييز بين الحق والباطل، مهما حوصر الأول أو شاع الثاني.

كما أن إدراك الواقع لا يعني إقراره، فتلك هي الواقعية التي لا يفهمها سوى الضعفاء والانهزاميين، الذين لا تعني الواقعية بالنسبة لهم سوى الاستسلام للأمر الواقع، فالواقعية الإسلامية تعني اقتحام الواقع، والتصارع مع الباطل، وعدم الاستسلام لمعطياته، حتى ولو نجح في فرض نفسه أمرًا واقعًا بالفعل، ما دامت هناك الإمكانات لتغييره، ووجود الإمكانات الدائمة لتغيير الباطل من مقتضيات العقائد الإسلامية.

والصراع مع الباطل الهدف منه استنهاض الواقع، والعمل على إصلاحه وتقويمه، والسمو به إلى المثل العليا والغايات المنشودة، وهذا ما تعنيه المثالية في الإطار الفكري للتصور الإسلامي.

إنها المثالية الواقعية، التي تفرض على الفنان التعامل مع الواقع بموضوعية كاملة، والسمو به في نفس الوقت إلى المثل العليا التي تحقق رضا الله ورضوانه، فالفنان المسلم إنسان يعيش على الأرض بروح تحلق في السماء. فهو يتفاعل مع الواقع الاجتماعي بعقيدة ربانية ومنهج إلهي؛ ليسمو به إلى غاياته التي يتطلع بها إلى عالم الخلود الذي سوف يستقر به في نهاية المطاف.

والذي يعنيه ما سبق أن الفن الإسلامي مذهب مستقل، يتباين تمامًا عن تلك المذاهب الفنية التي نشأت عن تطور المفاهيم العلمانية في الغرب، ولكن ذلك لا يعني في نفس الوقت أن الفن الإسلامي مدرسة فنية غير قابلة للتجدد؛ لأن التصور الإسلامي للوجود، والذي نعبر عنه هنا بالمثالية الواقعية، يجمع ما بين الثابت والمتغير.

فالجانب الثابت هو المثالية العقائدية والقيمية للتصور الإسلامي، والجانب المتغير هو الفاعلية الإنسانية التي يتعامل بها هذا التصور مع الواقع، وهذا المتغير قابل للتشكل الفني بحسب التوجهات البشرية المختلفة، ومن المزج بين هذا وذاك يتسع المجال لأن تتوالد العديد من المدارس الفنية المتجددة، ولكنه سيلاحظ دائمًا أنها تختلف عن تلك المدارس الفنية الأخرى التي تتفاعل على أرضية أيديولوجية فنية مختلفة.

ومن ناحية أخرى فإن كون العمل الإبداعي ينطبق عليه معيار الفن الإسلامي؛ فإن ذلك لا يمنحه أي قدر من الارتقاء الفني، فإن المعايير الفنية للعمل الإبداعي مستقلة بذاتها بعيدًا عن أي تصورات إيديولوجية أو أخلاقية. فقد ينطبق على العمل الإبداعي صفة الفن الإسلامي، ومع ذلك يكون فنّاً إسلاميّاً رديئًا، وقد لا تنطبق عليه تلك الصفة ويكون عملاً فنيًا رائعًا.

الإسلام وتنوع الفنون :

الفن عمل إنساني بالدرجة الأولى، وذلك لارتباطه بالوعي، ومن أجل ذلك، فهو يتطور في نفسه ويتعدد، نظرا لأن الابتكارات الإنسانية غير محدودة ودائمة التغير، ونحن عندما نتكلم عن الفنون سوف نتكلم عنها باعتبارين : فنون قديمة، وهي التي جاء الإسلام وهي موجودة فسكت عن كثير منها، وتكلم في قليل منها، وفنون حديثة، وهي التي استحدثت بعد عصر التشريع، مثل السينما والمسرح.

والإسلام لم يتعرض لأغلب الفنون القديمة، وهذا يوضح أن الإسلام أقر  أغلب ما كان موجودا من فنون في الأمم السابقة، مما علم به المسلمون من نحت، وعمارة، ورسم، وأيضا مما مارسه العرب من فنون القول، التي أبدعها اللسان العربي، من الشعر والنثر والمقامة والقصة والملحمة، والمفاخرة والمنافرة، وسائر فنون الأدب.

 

قيمة الشعر في الإسلام :

وللشعر قيمة كبيرة في التراث الإسلامي، ولا ينكر مطلع على تراث المسلمين قيمة الشعر في حفظ اللغة العربية، وأن علماء اللغة والنحو يعتبرون الأبيات الشعرية هي شواهد ودلائل لإثبات قواعد لغتهم الخالدة.

و قد استمع النبي  صلي الله عليه و سلم  إلى الشعر و تأثر به ، و منه قصيدة كعب بن زهير الشهيرة " بانت سعاد " و فيها من الغزل ما هو معروف ، و قصيدة النابغة الجعدي، و دعا له ، ووظف الشعر في خدمة الدعوة والدفاع عنها ، كما صنع مع حسان . واستشهد بالشعر كما في قوله : " أصدق كلمة قالها شاعر : كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل "([18]).

واستشهد أصحابه بالشعر ، وفسروا به معاني القرآن ، بل منهم من قاله ، وأجاد فيه ، كما يروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وعلي ـ كرم الله وجهه ـ وهناك عدد كبير من الصحابة شعراء ، منهم عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت وعبد الله الزِّبَعْرَي، وكعب بن زهير.

و كثير من الأئمة الكبار كانوا شعراء ، مثل الإمام عبد الله بن المبارك ، والإمام محمد بن إدريس الشافعي وغيرهما .

وقال صلي الله عليه و سلم : " إن من الشعر حكمة "([19])،كما قال صلى الله عليه وسلم في موضع آخر " إن من البيان لسحراً "([20]).

هذا ما يوضح ويبرز قيمة الشعر في الدين الإسلامي، وتكلمنا عن الشعر باعتباره فنّاً كان موجودا قبل الإسلام، وظل في الإسلام بل ومارسه العرب.

السينما والمسرح وعلاقتهما بالإسلام :

أما عن الفنون التي ظهرت بعد عصر التشريع، أي لم تكن هناك نصوص شرعية تتعامل معها، بل هو الاجتهاد الفقهي على أصول الشريعة الغراء ، فأبرز هذه الفنون هو التمثيل الذي يعبر عنه في فني السينما والمسرح.

فالسينما والمسرح، وهما أكبر فنين ظهرا بعد عصر التشريع، أو في هذا العصر الحديث، وكان من شدة انتشارهما، أنك إذا أطلقت لفظة الفن انسحبت عليهما، فإن الإسلام لم يحرم فني السينما والمسرح، واعتبرهما وسيلتان تصلحان للمصلحة، كما أنهما يستخدمان في الإفساد، وهو غالب استخدامهما في هذه الأيام.

فالمسرح وهو ما يدعونه " أبو الفنون "؛ لأنه يجمع كثيراً من الفنون الجميلة، فيوجد في الفن المسرحي، فن الأداء، وهو التمثيل، وفن الإخراج، وهو "الرؤيا"، والفن التشكيلي، ويتمثل في تصميم الديكور وتصميم الأزياء، وفن الإضاءة، متمثلاً في اللحظات الضوئية المختلفة، وكيفية توزيعها، وفن الاستعراض، متمثلاً في تصميم الاستعراضات، وفن الموسيقى، التي هي عنصر من عناصر تأكيد الحدث الدرامي.

كذلك فن السينما، من الفنون الحديثة؛ حيث إنه بدأ منذ ما يقرب من مائة عام، ولكن خلال هذه الفترة تطور هذا الفن تطوراً ملحوظاً في مختلف مجالاته، وهو أيضاً فن غني لأنه يجمع بين كتابة السيناريو، والمكياج، والمونتاج، والتصوير، وهندسة المناظر، والملابس والأزياء، والصوت، إلى جانب التمثيل والإخراج.

والإسلام لم يحكم على هذين الفنين بالإباحة المطلقة، أو بالحظر المطلق، بل وضع ضوابط لهما، لا علاقة لهذه الضوابط بجوهر الفن نفسه، فنهى عن ظهور النساء بشكل يخالف شريعة الإسلام، كما نهى عن اختلاط الرجال بالنساء، بهذه الصورة التي تثير الشهوات، وتفسد المجتمعات مما لا يحتاج إلى التدليل عليه.

ويؤكد هذا الحكم الخاص بفني السينما والمسرح ما قاله الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه الحلال والحرام : " ويتساءل كثير من المسلمين عن موقف الإسلام من دور الخيالة (السينما) والمسرح وما شابهها. وهل يحل للمسلم ارتيادها أم يحرم عليه؟ ولا شك أن (السينما) وما ماثلها أداة هامة من أدوات التوجيه والترفيه، وشأنها شأن كل أداة، فهي إما أن تستعمل في الخير أو تستعمل في الشر، فهي بذاتها لا بأس بها ولا شيء فيها، والحكم في شأنها يكون بحسب ما تؤديه وتقوم به.

وهكذا نرى في السينما أنها : حلال طيب، بل قد تجب وتطلب إذا توفرت لها الشروط الآتية:

أولا :    أن تتنزه موضوعاتها التي تُعرض فيها عن المجون والفسق وكل ما ينافي عقائد الإسلام وشرائعه وآدابه، فأما الروايات التي تثير الغرائز الدنيا أو تحرض على الإثم، أو تغري بالجريمة أو تدعو لأفكار منحرفة، أو تروج لعقائد باطلة، إلى آخر ما نعرف، فهي حرام لا يحل للمسلم أن يشاهدها أو يشجعها.

ثانيا :  ألا تشغله عن واجب ديني أو دنيوي. وفي طليعة الواجبات الصلوات الخمس التي فرضها الله كل يوم على المسلم، فلا يجوز للمسلم أن يضيع صلاة مكتوبة -كصلاة المغرب- من أجل رواية يشاهدها. قال تعالى: ] فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ[([21]). وفسر السهو عنها بتأخيرها حتى يفوت وقتها. وقد جعل القرآن من جملة أسباب تحريم الخمر والميسر أنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

ثالثا :  أن يتجنب مرتادها الملاصقة والاختلاط المثير بين الرجال والنساء الأجنبيات منهم، منعا للفتنة، ودرءا للشبهة، ولا سيما أن المشاهدة لا تتم إلا تحت ستار الظلام.

ونظرا لكثرة الفنون وتشعبها، فنكتفي  بالشعر مثالا من الفنون القديمة، والسينما والمسرح، أمثلة للفنون الحديثة، وفي الحقيقة لن نجد فنا من الفنون أثار جدلا وكلاما على الساحة العلمية بين فقهاء المسلمين، مثل الغناء والموسيقى ، والتصوير؛ ولذلك فإن موضوع بحثنا سوف يتناول بالتفصيل المذاهب الفقهية ونظرة الإسلام لهذه الفنون، وهو ما يأتي في الفصول التالية.



([1]) سورة النحل، الآية : 6.

([2]) لسان العرب، ج 11، صـ 126.

([3]) سورة النحل، الآيات : 5 : 8.

([4]) سورة الحجر، الآية : 16.

([5]) سورة النمل، الآية : 60.

([6]) رواه أحمد في مسنده، ج 1، صـ 399، طـ مؤسسة قرطبة، وأخرجه مسلم في صحيحه، ج 1، صـ 93، طـ دار إحياء التراث العربي.

([7]) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، ج 8، صـ 23، طـ دار الكتاب العربي.

([8]) سورة الحج، الآية : 46.

([9]) لسان العرب، ج 13 صـ 326.

([10]) مختار الصحاح، ج 1، صـ 215.

([11]) (متفق عليه).

([12]) سورة السجدة الآية : 7.

([13]) سورة الملك، الآية : 3.

([14]) سورة النمل، الآية : 88.

([15]) سورة الفرقان الآية : 67.

([16]) رواه أحمد في مسنده، ج 6، صـ 167،طـ مؤسسة قرطبة، والبخاري في صحيحه، ج 4، صـ 1925 طـ اليمامة، ومسلم في صحيحه، ج 1، صـ 546، طـ دار إحياء التراث العربي، واللفظ للبخاري.

([17]) سورة الإنسان، الآيات : 11 : 14.

([18]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج 3، صـ 1395، ومسلم في صحيحه، ج4، صـ 1768.

([19]) رواه أحمد في مسنده، ج 3، صـ 456، والبخاري في صحيحه، ج 5، صـ 2276.

([20]) رواه أحمد في مسنده، ج 4، صـ 263، والبخاري في صحيحه، ج 5، صـ 1976.

([21]) سورة الماعون، الآيتان : 4 ، 5.

Enter supporting content here